أحبائي الطلاب
إليكم ورق الاتجاهات الحديثة
في الجغرافيا المعاصرة
المقرر بمادة الدكتورة فارعة -
طرق تدريس
بالنجاح والتفوق إن شاء الله
علم الجغرافيا المعاصرة
"تطور الفكر الجغرافي وبنية العلم "
مقدمة
يعد علم الجغرافيا أحد أهم وأقدم العلوم التي عرفتها البشرية ، وأكثرها تغيرا وتطورا علي مر العصور ، فقد اعتاد الإنسان -منذ ظهوره علي الأرض- التنقل من مكان لأخر لاكتشاف بيئته وتعرف طبيعتها ومسالكها وتحديد إمكاناتها الاقتصادية التي يمكن أن يستفيد منها في سد احتياجاته الأساسية ، وإشباع غريزته في حب الاستطلاع والمعرفة وأداء رسالته التي خلقه الله من أجلها بتعمير الأرض ، فارتبطت حياة الإنسان بدراسة المكان ، كما أرتبط تطور تاريخ وفكر وحضارة الجنس البشري بتطور علم الجغرافيا في معناه وأغراضه وأساليبه البحثية وأدواته العلمية وميادين دراسته
وتتناول هذه الورقة عرضا مختصرا ومركزا حول أهم التطورات الجوهرية التي مست علم الجغرافيا ، وذلك من خلال النقاط التالية :
- تطور الفكر الجغرافي عبر العصور 0
- المفهوم المعاصر لعلم الجغرافيا
- خصائص علم الجغرافيا المعاصرة0
- أهم التطورات الحديثة في بنية علم الجغرافيا 0
وفيما يلي عرضا موجزا لكل نقطة من النقاط السابقة
أولا : تطور الفكر الجغرافيا عبر العصور :
مر علم الجغرافيا – كغيره من العلوم الطبيعية والبشرية – بعدة مراحل تطورية مميزة أسهمت في تشكيل فلسفته وبنيته التي ميزته عن غيره من العلوم الأخرى ، ويمكن أن نعرض لبعض هذه المراحل فيما يلي :
1- مرحلة الوصف الجغرافي : وهي أولي المراحل المميزة للفكر الجغرافي ، وسادت منذ القرون الأولي قبل الميلاد وطوال فترات القرون الوسطى ، ولم تكن الجغرافيا فيها علما حقيقيا ، بل مجرد ممارسة للوصف اللفظي الذاتي للمناطق المأهولة لسطح الأرض ، وأقتصر البحث الجغرافي علي " المكان المعروف " فلكيا بتحديد موقعه من خطوط الطول ودوائر العرض ووصف علاقته بالمناطق المأهولة الأخرى ، والمعروفة فقط ، وكان للاقتصار على مجرد الوصف الحسي للمكان أثره في نفي صفة العلم الحقيقي عن الجغرافيا طوال هذه المرحلة ( محمود أبو العلا (1998) : 7-12)
2- مرحلة التفسير الجغرافي : وقد ظهرت مع تزايد حركات المستكشفين شرقا وغربا ، وتراكم المعرفة الجغرافية ، ومعه أصبح الوقوف عند حد وصف الظاهرات الجغرافية بالمكان أمرا غير ذي جدوى ، وبخاصة في ظل وجود تشابهات واختلافات متعددة بأماكن كثيرة من العالم تحتاج في فهمها لتعليلات وتفسيرات ، ووجد الجغرافيون أنفسهم في حاجة إلى تطوير أسلوبهم البحثي لتفهم تلك العمليات المسئولة عن تكوين الاختلافات والتشابهات من مكان لأخر ، وارتقت الجغرافيا مرحلة تطورية مهمة بتحولها من مجرد علم وصفي بحت إلى كونها علما تفسيريا يبحث في علل الظاهرات ويحدد أسبابها
(James Fisher (1992 :7-8)
3- مرحلة التحليل الجغرافي : وبفضله تشكلت الجغرافيا الحديثة بمفهومها العلمي المتطور الذي يهتم بدراسة البيئة الطبيعية بكافة عناصرها ، وينظر إلى تأثير الجانب البشري فيها بعين الاعتبار والاهتمام ، ويري المكان الجغرافي وحدة كلية لا تتجزأ ، فتخطى الفكر الجغرافي بهذه المرحلة حدود الوصف والتفسير إلى التحليل الدقيق للعلاقات التأثيرية المتبادلة بين الظاهرات الطبيعية والبشرية في المكان ، ومحاولة صياغة تعميمات واستخلاص قواعد عامة ونظريات علمية ، وتزايد الاهتمام بدراسة "الشخصية المميزة المتفرد للإقليم"
4- مرحلة التقييم الجغرافي : وهي أحد المراحل المهمة التي أرست أسس الجغرافيا المعاصرة ، وظهرت في النصف الأول من القرن العشرين أثر الاهتمام المتزايد من قبل الجغرافيين باستخدام الأساليب الكمية والنماذج الرياضية والهندسية في تقييم الحجم والأثر الكمي للظاهرات الطبيعية والبشرية في الدراسة الجغرافية ، مما أطلق عليه حينها بـ " الثورة الكمية في الجغرافيا " أملا في علاج بعض عيوب الجغرافيا الحديثة لكمونها في حيز التنظير ومحاولة جعلها علما وظيفيا يخدم الفرد والمجتمع ( فتحي أبو عيانة وآخرون ( 1999) : 369 ) ، ( شاكر خصباك (1999) : 161-164)
5- مرحلة التطبيق الجغرافي : وهي امتداد طبيعي لتطور الفكر الجغرافي في المرحلة السابقة ، وتنامي تلقائي لمفهوم الجغرافيا المعاصرة بمعناها الحالي الذي أزدهر في النصف الأخير من القرن العشرين أثر الثورة المعرفية المتزايدة والتراكم المذهل للمعارف في شتي الميادين والظهور المتوالي للتكنولوجيات الحديثة التي دعت الجغرافيا إلى تطبيق تلك المعارف والأساليب التكنولوجية المتقدمة في دراسة المشكلات الحياتية في كافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية 00إلخ وفهم أسبابها وتحليل تأثيراتها واقتراح وتطبيق الحلول الممكنة لها 0
وبوصول الفكر الجغرافي في تطوره إلى تحديد إطار تطبيقي وظيفي واضح لعلم الجغرافيا أضحت الجغرافيا المعاصرة بذلك علما لا غني عنه لأي مجتمع يأمل في التغلب على مشكلاته ورسم مستقبل آمن لأفراده ، كما أهل الجغرافيا المعاصرة لإتخاذ مكان مرموق بين سائر العلوم المتطورة الأخرى0
ثانيا : مفهوم علم الجغرافيا المعاصرة :
حقيقة تعددت تعريفات علم الجغرافيا بحسب الاتجاهات الفكرية والمراحل التطورية التي مر بها والسابق ذكرها ، والتي كان لها دورا في اتساع مفهوم علم الجغرافيا المعاصرة ليعكس مدي التطور في الفكر والغاية 0
ويعبر حيمس فيشر عن مفهوم الجغرافيا المعاصرة Modern Geography بأنها "محاولة الفهم السليم والدراسة المتأنية لذلك الواقع المركب المعقد الدينامي المكون من ثلاثة عناصر هي : توزيع الظاهرات الطبيعية والبشرية ، طبيعة نظم العلاقات المتبادلة التي تنشأ بين التوزيعات المتباينة والمتشابهة كتوزيع الأنشطة الأقتصادية أو دخل الفرد مثلا ، الشخصية المميزة للإقليم (المكان) بخصائصه ومشكلاته ، وقصد فيشر بـ "الفهم السليم " : التفسير – والتحليل – ومحاولة التنبؤ المشروط- والتقويم الموضوعي – وتحديد الأمثل Optimization لكافة الظاهرات الجغرافية والعلاقات الكلية الناتجة عن التفاعل بين الإنسان والبيئة حاليا ومستقبلا"
(James Fisher (1992 :7)
ووفق هذا المفهوم فالجغرافيا المعاصرة تتأسس علي ضرورة الربط بين الظاهرات الطبيعية والبشرية ، ورصدها وتسجيلها وصفها كميا ، وثم تحليها وتفسيرها وتقيمها موضوعيا ، ثم تمثيلها كارتوجرافيا بدقة ووضوح ، وعليه تصبح الدراسة الجغرافية المعاصرة "علما عمليا" له مراحل وخطوات محددة يتطلب لإنجازها الاستفادة من نتائج العلوم الأخرى ، ومباشرة العمل الميداني ، وجمع بيانات متنوعة واستخدام المنهجيات الحديثة والتكنولوجيات المتطورة والتعامل مع أحدث البرامج وقواعد ونظم المعلومات ، وهو ما ضمن للجغرافيا المعاصرة تميزها بالحيوية والدينامية والتجدد المستمر ، وغيرها من الخصائص التي سنعرضها فيما يلي 0
ثالثا :خصائص الجغرافيا المعاصرة :
في ظل المفهوم المعاصر للجغرافيا أستخلص الجغرافيون عددا من الخصائص المميزة لها ، ويمكن عرض بعضها بإيجاز فيما يلي :
1- البينية : فالجغرافيا هي همزة الوصل بين الأرض والإنسان ، وهمزة الوصل بين العلوم الطبيعية والبشرية ، فهي تخدم كافة العلوم الأصولية كالجيولوجيا والاقتصاد والفلك والاجتماع والتاريخ والفيزياء والطب000 إلخ ، كما يستعين الجغرافي بتلك العلوم بقدر حاجته التي تخدمه في مجال بحثه ، كدراسة بعض ظواهرها (كمرض الإيدز مثلا ) ولكن من منظور جغرافي 0 ( محمود سيف ( 1997) : 23)
2- الشمولية : فالجغرافي وحده دون غيره ينفرد بدراسة بدراسة الحقائق والعلاقات مجتمعة في إطار المكان ، ولا يصطدم بالحواجز الظاهرية المصطنعة التي تضعها العلوم الأخرى ، فتعمل الدراسة الجغرافية على إذابتها وإزالتها قدر المستطاع ، فتعبر تعبيرا صادقا عن العلوم المندمجة والمتكاملة Multidiseiplinarity & interdiseipliinarity 0
( صفوح خير (2000) : 31-35 )
3- التكاملية : فالدراسة الجغرافية نموذجا للتكامل العلمي ، حيث يتكامل فرعا الجغرافيا (الطبيعي والبشري ) فينظر للعلاقة بين الإنسان وبيئته نظرة تكاملية تقيها من أن تصبح كما كانت في العصور الوسطي مجرد أشتاتا من المعارف المجزأة عير المترابطة0
4- الدينامية : فالجغرافيا المعاصرة تهتم بدراسة الظواهر المتغيرة للبيئة والإنسان والتي تتصف بالتغير والتطور من وقت لأخر ، فتربط بين أبعاد الزمن الثلاثة الماضي عند البحث عن أسباب الظواهر ، والحاضر عند رصد ووصف تأثيراتها ، والمستقبل عند اقتراح أفضل السبل للاستفادة منها لخدمة الفرد والمجتمع 0
( صفوح خير (2000): 15)
5- التركيبية : يشير حمدان أن الجغرافيا المعاصرة ليست علما موسوعيا بقدر كونها علما ملحميا تركيبيا في موسوعيته ، فالجغرافي يستند إلى مهارات الجغرافيا كي يتشرب ويهضم ويتمثل ثم يفرز ويشكل الجديد من الأفكار والأنماط ، فهو يقرأ كل شئ لكنه ينتج جغرافيا فقط ( جمال حمدان (1980) : 14-15)
6- المستقبلية : حيث يتزايد الاهتمام الجغرافي المعاصر باستشراف مستقبل الظاهرة الجغرافية المدروسة ومحاولة التنبؤ بمصيرها ، وتحديد اتجاهاتها لفترة زمنية لاحقة ، فيتعدي الجغرافي في دراسة توزيع الظاهرات تقرير ما هو واقع إلى تحديد ما هو أمثل لملاقاة حاجات المستقبل وتلافي ثغرات الماضي والحاضر ، ويستخدم في ذلك أساليبا بحثية ملائمة كأسلوب دلفي ، ووضع السيناريوهات ، استخدام النماذج ( بيتر هايجت (1996) : 703-718)0
7- الموضوعية : وتظهر بكافة مراحل العمل الجغرافي ممثلة في استخدام الأدوات والأساليب الحديثة مثل التحليل الكمية الرياضية والنمذجة ونظم المعلومات الجغرافية لإبراز النتائج الجغرافيا في إطار من الموضوعية والصدق ( عبد الفتاح حزين (2001) : 5)
8- التطبيقية : وهي أحدث الخصائص التي التصقت بالجغرافيا المعاصرة بعد النجاح في تطبيق المعارف والمهارات والأساليب الجغرافية في دراسة وحل المشكلات المحلية والعالمية على المستويات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وآمنت للجغرافيا صفة النفعية الفائدة الوظيفية للفرد والمجتمع0
رابعا : التطورات والتوجهات المعاصرة في بنية علم الجغرافيا :
لاشك أن التطور المتواصل في الفكر الجغرافي قد أرسي عددا من الاتجاهات الحديثة التي ألقت بظلالها علي بنية علم الجغرافيا التي تضم : مناهجه العلمية وأساليبه وأدواته البحثية ، وكذلك مفاهيمه ومجالاته وميادينه المعرفية ، وسنعرض فيما لأهم هذه التوجهات0
1- التطورات الحديثة في مناهج وأساليب البحث في الجغرافيا :
أ- الاتجاه نحو استخدام المنهج الكمي في الدراسات الجغرافية ( الجغرافيا الكمية):
حيث الاستناد إلي الطرق الإحصائية والمعادلات الرياضية وبرامج التحليل للبيانات بالكمبيوتر ( مثل SPSS وغيرها ) في معالجة البيانات الجغرافية المتراكمة ، مما يسهم في التفسير العلمي الموضوعي لكثير من العلاقات بين الظاهرات المتنوعة والاختلافات المكانية والتحليل الدقيق للمشكلات الجغرافية ، وعدم الفصل بين الجانب الطبيعي والبشري في الدراسة ، والوصول إلي نتائج تتسم بالدقة والموضوعية إضافة إلي إمكانية وضع تصورات مستقبلية ( محمود أبو العلا ، 1998 : 57 )0
ب- الاتجاه إلى استخدام النماذج MODELS في الجغرافيا :
ظهرت عديد من "النماذجModels " : كأحد الأساليب البحثية في الجغرافيا مثل ما وضعه فون تنن عن الولاية المنعزلة ، وتاف لتطور شبكات النقل في البلاد النامية ، وايزارد ولش عن التوطن الصناعي ، وكريستلر عن المواقع المركزية لآداء الخدمات وتسلسلها ، وهاجر ستراند عن تحركات السكان في موجات ، وغيرها من النماذج التي ساهمت في اتخاذ الجغرافيا المنحي الوظيفي ؛ بالاهتمام بدراسة مشكلات المجتمع ومحاولة علاجها بمنهجية علمية عن طريق تفهم الواقع المعقد والعمل علي تبسيطه ، وتقديم إطار يمكن أن تصاغ وتتشكل داخله الفرضيات ، وتختبر كجزء من عملية التقصي العلمي الجيد ، ومن ثم يساعد استخدام النماذج في الجغرافيا علي تكوين تعميمات وصياغة نظريات وإعداد تنبؤات موثوق بها قد تساعد استشراف المستقبل 0
( عيسى علي إبراهيم 1999 : 323)
ج- تزايد الاهتمام بالمنهج السلوكي :
ظهر المنهج السلوكي في الجغرافيا المعاصرة نتيجة لتزايد اهتمام الجغرافيين بدراسة السلوك البشري ، إذ يسعى المنهج السلوكي إلى ربط النتيجة المكانية بالسبب السلوكي ، ويهدف إلى إرجاع الأنماط المكانية للسلوك البشري إلى مسبباتها الكامنة في العمليات الذهنية0
وقد استعارته الجغرافيا من علم النفس ، حيث يعتمد على فكرة المثير والاستجابة ، فالانسان يستجيب لمثيرات البيئة (المكان) بمظاهرها الطبيعية والبشرية ، وعند استجابته بطريقة ما يتخذ قرارا ، ثم يسلك بناء على ما اتخذه من قرارات ، ومن ثم يقدم المنهج السلوكي للجغرافيا تفسيرات واضحة تزيد من فهم الأنماط المكانية لسلوك الأفراد ، ويستخدم أكثر في دراسة ظاهرات التسويق والسكنى والهجرة والترويح والسياحة والسياسة ، كما يفسر اختلاف السلوك البشري في الانتخابات ، واختلاف الانتماء بطبيعة المكان( البدو – الريف ) ، السلوك الإجرامي في العشوائيات وغيرها ( محمد ابراهيم الديب (2002) : 112- 113) ، (محمد محمد زهرة (2000) : 101 –103) 0
د- ظهور تكنولوجيا الاستشعار عن بعد" Remote Sensing "
ظهرت تكنولوجيا الاستشعار عن بعد" Remote Sensing Tools " كأسلوب بحثي جديد يقوم علي استخدام طرق متعددة لدراسة ظواهر معينة من مسافات بعيدة دون الحاجة إلي الاقتراب منها وتحت ظروف لا يمكن للعين البشرية الوصول إليها من خلال مجموعة من الوسائل والأدوات فائقة السرعة والدقة تعمل على التقاط وتسجيل ارتدادات الإشعاعات الكهرومغناطيسية المحمولة على متن الطائرات أو الأقمار الصناعية ، ومن ثم تمد الجغرافي بصور جوية ومرئيات فضائية لها فائقة الدقة يمكن إعادة تحليلها وتفسيرها ببرامج الكمبيوتر ورسم خرائط جغرافية دقيقة ودورية للظاهرات المصورة ، وقد أسهم ذلك في اتساع مجال الدراسة الجغرافية ومجالات الاستفادة منها ، بوصفها تقنية عالية الحساسية والدقة ، وذات إمكانية فائقة في التعامل مع مشكلات ومجالات حياتية متنوعة 0 (Arthur Getis & Others ,2001 :44)
هـ الاتجاه المتنامي نحو توظيف نظم المعلومات الجغرافية G . I . S :
كما ظهرت حديثا نظم المعلومات الجغرافية G.I.S كأسلوب آلي يتسم بالدقة والسرعة في جمع وتصنيف ومعالجة وتفسير وإعادة تمثيل المعلومات الجغرافية التي أفرزتها الثورة المعرفية ، فمن خلال برامج خاصة Soft ware تحفظ البيانات الجغرافية داخل هذا النظام على هيئة خرائط طبقية ، ويعمل الكمبيوتر على الجمع بينها ، والكشف عن العلاقات المكانية المتشعبة التي تربطها ، وعليه يتم تفسيرها والخروج بتعميمات ، وعمل النماذج والأنماط المطلوبة مع رسم الخرائط والأشكال اللازمة ، ولذا يعد هذا النمط التكنولوجي دعامة أساسية تمد متخذي القرار والمخططون بالمعلومات الصحيحة وما يتعلق بها من مؤشرات مستقبليـة
تحدد اتخاذ قرار معين لحل مشكلة حياتية ما وتحديد الاختيار الأفضل من بين البدائل المتاحة للتنمية 0( محمد الخزامي عزيز ، 2000 : 61- 62 ، 427 )
و- استخدام وتوظيف نظم التوقيع العالمية Global Positioning Systems في الدراسة الجغرافية :
واستمراراً للتطور التكنولوجي تم توظيف نظم التوقيع العالمية Global Positioning Systems بوصفها نظم تكنولوجية متكاملة للملاحة اللاسلكية التي تتيح لمستخدميها – وطوال أربع وعشرين ساعة وبأي مكان بالعالم برا وبحرا وجوا – تحديد الموقع الفلكي للمكان المتواجد به وكذا تحديد الاتجاهات الجغرافية فيه ، وارتفاعه بالنسبة لسطح البحر ، إضافة إلى سرعة الرياح به ، والتوقيت الزمني أثناء تواجده فيه 000 وغيرها من البيانات المباشرة ( Live) التي تستقبلها أجهزة هذا النظام المتصلة بشبكات الأقمار الصناعية ، ولهذا تعد G.P.S أسلوبا تكنولوجيا فعالا في جمع البيانات الجغرافية وتسجيلها ميدانيا ، بل وتسجيلها كارتوجرافيا في شكل خرائط إلكترونية يطلق عليها Live Map 0
ز - النظم الخبيرة Expert Tech. Sys.
وأخيرا ظهر بالجغرافيا عدد متنوع من النظم الخبيرة Expert Tech. Sys. كأحد نظم الذكاء الاصطناعي التي تستخدم بيانات ومعارف محددة تتعلق بموضوع أو ظاهرة جغرافية معينة ، ليقوم النظام بتحليل مدلولات تلك البيانات للوصول لحل ممكن لمشاكل حياتية ناشئة عن هذا الموضوع ، كما تفيد هذه النظم مباشرة في عمليات رسم الخرائط الجغرافية ، وذلك بتحديد أنواع الرموز وأحجامها إلكترونيا ، وتساعد في الانسجام الجمالي للخرائط من خلال تركيب الألوان ومناسبة الرموز ، فتعمل على اتساق عناصر الخرائط ، وتجنب الأخطاء في التوزيع والتصنيف والتقسيم بها 0
2- التطورات والتوجهات المعاصرة في المجالات البحثية الجغرافية :
أما عن المضمون والمحتوي الجغرافي فمع التطور المعرفي والتكنولوجي ظهرت فروع جديدة لعلم الجغرافيا كالجغرافيا الطبية ، وجغرافيا الجريمة ، وجغرافيا القانون ، وجغرافيا السياحة والترويح ، وجغرافيا الخدمات ، والجغرافيا البيئيــة ، والجغرافيا العسكرية وجغرافيا الأديان واللغة 000وغيرها من المجالات البحثية الجديدة في علم الجغرافيا ، ونعرض فيما يلي بعض الأمثلة المختصرة لهذه المجالات :
أ- الجغرافيا الطبية :
وتدرس العلاقة بين العوامل الجغرافية والمرض ، حيث تهتم بفحص التوزيع الجغرافي لأمراض الإنسان لتحديد مدى تأثير البيئة الطبيعية ممثلة في العوامل الجغرافية الطبيعية والبشرية على صحة الإنسان 0
ب- جغرافيا الجريمة :
وتهتم بدراسة التوزيعات المكانية للجرائم ، وتفسر العلاقة بين الظروف الطبيعية وبين انتشا وتوزيع الجرائم الإنسانية
ج- الجغرافيا البيئية :
وتهتم بدراسة المشكلات البيئية التي نشأت بحكم زيادة ضغوط الإنسان على بيئته مثل التصحر والتلوث والتكدس البشري ، وتهتم بالتخطيط لإعادة التوازن البيئي ومواجهة إجهاد الإنسان لعناصر البيئة والحد من الإفراط في الرعي أو الصيد أو السكان الزائدين عن الحد ، أو حتى الإفراط في السياحة ، والإفراط في استخدام المياه الجوفية 0
د- الجغرافيا المستقبلية :
وظهرت مؤخرا نتيجة اهتمام الجغرافيين بالتنبؤ وبعالم المستقبل ، وتهتم بدراسة احتمالات المخاطر وتوقعها ، كما تدرس الحد الأمثل للإنتاج وفق الموارد المتاحة ، وتهتم بدراسة حياة الجماعات التي تعيش على هامش الخطر لمناطق السهول الفيضية الكبري للأنهار ، والمناطق التي تتعرض لفيضانات مدمرة ، أو بالقرب من سفوح البراكين متقطعة الثوران ، أو المدن القائمة في نطاق الزلازل ، أو على حافة الصحاري أو نطاق السافانا فيما يعرف بحزام الجوع في أفريقيا 0
وبالنظر إلى التوجه الحديث لمحتوي علم الجغرافيا نتلمس تزايد الاهتمام بموضوعات معينة تلك التي تمس الحياة اليومية للإنسان مثل البطالة والإختناق المروري وحوادث الطرق والبريد والإدمان والفقر والتوطين 0000 إلخ ، الأمر الذي دعا البعض إلى وصف هذا الأمر بظهور ما يمكن أن نسميه " جغرافيا الحياة اليومية Every Day Geo " لتعبر تعبيرا دقيقا على المسلك الاجتماعي للمحتوي الجغرافي المعاصر 0